ما هو عيد جسد الربّ: القربان المقدس
ما هو "عيد جسد الربّ"
" القربان المقدس" ؟
يحتفل المؤمنون الكاثوليك بسر القربان المقدس على مدار السنة من دون انقطاع لانه سر الاسرار، كما ان يسوع اسسه يوم خميس الفصح قبل دخوله الالام، واوصى تلاميذه قائلا "اصنعوا هذا لذكري" كي يبقى ذكراه ابديا بين مؤمنيه، منه ياخذون العون والقوة لحياتهم الروحية. الاحتفال بالقربان يأخذ اشكالا مختلفة كألاحتفال بالذبيحة الالهية او الزياح القرباني، أوالتطواف، أو ساعات السجود. وفي شهر حزيران من كل عام نحتفل بعيد الجسد، اي عيد القربان المقدس، كما ونحتفل ايضا بعيد قلب يسوع الاقدس. وينصب القربان المقدس ويعمل الزياح مرة بالشهر لبعض الاخويات كاخوية قلب يسوع الاقدس على سبيل المثال. وهناك رهبانيات تكرس جل اهتمامها ووقتها في التامل والصلاة وعبادة القربان المقدس ...الخ. من هنا ننطلق باحثين عن اصول هذا الاحتفال وخاصة "عيد الجسد" فنرى اصله، مناسبته، وطريقة الاحتفال به.
اولا- عيد الجسد، اصول وتاريخ: يحتفل بذكرى عيد الجسد في الطقس اللاتيني في الخميس الذي يتلو احد الثالوث الاقدس. كان يحتفل بعيد مشابه في حوالي (448) تحت اسم "ولادة الكأس" يوم 24 اذار. في 25 اذار كانت بعض المناطق تحتفل بذكرى موت المسيح، فكان الاحتفال بهذا اليوم يقع غالبا في اسبوع الالام مما يكسيه طابع الحزن والحداد.
القديسة جوليانا البلجيكية (1193): كانت هذه الراهبة القديسة سببا في ابراز هذا العيد الى الوجود. اذ كانت فعلاً اداة بيد العناية الالهية. تيتمت جوليانا وهي بعمر مبكر. تربت وتثقفت في دير الراهبات الاوغسطينيات في مدينتها. دخلت الرهبنة وصارت رئيسة للرهبنة فيما بعد، توفيت سنة (1258) بعمر 65 سنة. كانت جوليانا متعبدة حقيقية لسر القربان، وكانت تشتاق دائما لرؤية عيد خاص بالقربان. اعلمت رغبتها هذه لكهنة مدينتها الذين صاروا فيما بعد مسؤولين كبار في الكنيسة الكاثوليكية، منهم كان البابا اوربان الرابع، والاسقف روبرت الذي صار كاردينالا للاراضي المنخفضة (شمال بلجيكا وهولندا). هذا الاخير وبتأثير من القديسة جوليانا عقد اجتماعا اسقفيا خاصا لابرشيته سنة (1246) وامر بأن يجرى الاحتفال بهذا العيد في السنة التالية، وامر راهبا اسمه جان بان يكتب الطقس والصلوات الخاصة بالمناسبة.
لم يعش الاسقف روبرت كثيرا ليرى تطبيق قراره الابرشي اذ مات بعد اشهر. الا ان إيڤ الراهبة الحبيسة (التي قضت جوليانا معها بعض الوقت) ألحّت على الاسقف المحلي ان يطلب من البابا اوربان الرابع (الذي كان اسقف مدينتهم السابق) ان ينشر الاحتفال بهذا العيد في العالم اجمع. البابا بدوره كان معجبا ايضا بهذا العيد، فكتب مرسوما بابويا في 8 ايلول/ سبتمبر (1264) أمر فيه باجراء احتفال سنوي بعيد جسد الرب، كما واعطى الكثير من الغفرانات للمؤمنين الذين يشاركون في القداديس والصلوات. اما الصلاة الطقسية فقد وضعها هذه المرة وبأمر من البابا "القديس توما الاكويني"، وهي تعتبر من اروع الصلوات الطقسية في الكنيسة اللاتينية.
ثانياً- الاحتفال بعيد الجسد: في شهر حزيران نحتفل بعيدين اثنين، عيد الجسد الذي يقع في الخميس الثاني من الرسل، وعيد قلب يسوع الذي يقع يوم الجمعة الثالثة من الرسل. في يوم عيد الجسد يبدأ المؤمنون تساعية القلب الاقدس وتقرأ فيها "الحسايات" وهي صلوات بشكل اشعار لاهوتية كلها كلمات مديح ووصف وتعظيم لسر القربان الاقدس "سر الاسرار". وفي الايام الثلاثة الاخيرة من التساعية تبدأ رياضة القلب الاقدس، وتُختتم بالاحتفال بعيد قلب يسوع الاقدس.
يُحتفل بعيد الجسد في شتى انحاء العالم وفي بعض مناطق العراق كالتالي: يحتفل الاسقف مع المؤمنين بالقداس الالهي الاحتفالي، وفي نهاية القداس يعمل زياح للقربان داخل الكنيسة. احياناً يخرج المؤمنون بقيادة الاسقف ويطوفون في ساحة الكنيسة ثم يعودون ويضعون شعاع القربان المقدس على المذبح وتبدا رتبة بركة القربان الاقدس. في روما ينتقل البابا من كاتدرائية القديس يوحنا في اللاتران بعد الاحتفال بالقداس، الى بازليك سانتا ماريا مَجّوريه (كاتدرائية مريم الكبرى)، الجموع تسير وراءه لمدة تقارب النصف ساعة مشيا على الاقدام، في ختامها يعطي بركة القربان الاقدس لجميع المؤمنين.
في العراق وفي الكثير من كنائسنا الكلدانية يقوم المؤمنون خلال فترة التطواف بإلقاء الورود والبراعم الصغيرة، وبعض قطيفات العنب الاخضر "الغير الناضجة" وورود صغيرة كورد الرمان وغيرها من زهور الثمار اليانعة دلالة على الخصب ومن اجل اخذ البركة لمحاصيلهم من القربان المقدس نفسه. كما يرتدي كثير من الاطفال الصغار في ذلك اليوم بدلات الشمامسة الصغار ويحوطون المذبح. يقوم الكبار منهم بالقاء الزهور وبراعم الثمار وورودها، في حين يتراكض الصغار منهم ويتهافتون لجمع ما يقع على الارض وخاصة عناقيد العنب الاخضر الحامضة "الحصرم" التي تعتبر من الاشياء المفضلة لدى الاطفال. بعد هذا يقوم الكاهن باعطاء بركة القربان للحاضرين. ترافق رتبة بركة القربان والزياح: التبخير بالبخور، وضرب الصنوج، علامة اكرام للقربان المقدس، وتمجيدا لحضور الرب بين المؤمنين.
"لاعلانية، بل كما لو انه يريد ان يُبقي نفسه خفياً": هكذا يذهب يسوع الى محافل بيوت القربان. هكذا ذهب -خفيا- في الطريق الى عماوس مع قليوفا ورفيقه. وهكذا تراءى من بعد قيامته –خفيا- لمريم المجدلية. وهكذا يظهر -خفيا- "لم يعرف التلاميذ بانه يسوع" وقت الصيد العجائبي للسمك. وهو يبقى -خفياً- اكثر في محبته للبشر، فانه هو الموجود في القربانة!"
من كتاب "الطريق" للقديس خوزيه ماريا اسكريفا، مؤسس حركة اوبوس دَي (عمل اللـه).
صلاة
إني أجثو أمامك، أيها الرّب إلهي، وأؤمن إيماناً ثابتاً بأنك موجود في سر القربان المقدس، بلاهوتك وناسوتك،
وأسجد لك كما تسجد لك الملائكة أمام عرشك السماوي، لأنك مستحق السجود والتسبيح والإكرام إلى أبد الأبدين. آمين.
تعليقات
إرسال تعليق